فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ زيد بن علي: {أَوْ عَذَابٌ أَلِيمًا} بالنصب. وخرجَّه الكسائي على إضمار فعلٍ، أي: أو أَنْ يُعَذَّبَ عذابًا أليمًا.
قوله: {هِيَ} ولم يَقُل هذه ولا تلك لفرط استحيائه وهو أدبٌ حسن، حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور. و{مِنْ أهلها} صفة ل {شاهد}، وهو المُسَوِّغ لمجيءِ الفاعل من لفظِ الفعل إذ لا يجوزُ: قام القائم، ولا قعد القاعد لعدم الفائدة.
قوله: {إِن كَانَ} هذه الجملةُ الشرطيةُ: إمَّا معمولةٌ لقولٍ مضمر تقديرُه: فقال: إن كان، عند البصريين، وإمَّا معمولة ل {شَهِد} لأنه بمعنى القول عند الكوفيين.
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)}
قوله تعالى: {مِن دُبُرٍ} و: {مِن قُبُلٍ}: قرأ العامَّة جميع ذلك بضمتين والجرِّ والتنوين، بمعنى مِنْ خلف ومن قُدَّام أي: مِنْ خلف القميص وقدَّامه، أو يوسف. وقرأ الحسن وأبو عمرو في روايةٍ بتسكين العين تخفيفًا وهي لغة الحجاز وأسد. وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق والعطاردي والجارود بثلاث ضمات، ورُوي عن الجارود وابن أبي إسحاق وابن يعمر وأيضًا بسكون العين وبنائهما على الضم، ووجه ضمِّهما أنهم جعلوهما كقبل وبعد في بنائهما على الضم عند قطعهما عن الإِضافة، فجعلوهما غاية، ومعنى الغاية أن يُجعل المضافُ غايةَ نفسِه بعدما كان المضافُ إليه غايتَه، والأصلُ إعرابُهما لأنهما اسمان متمكنان وليسا بظرفَيْن. قال أبو حاتم: وهذا رديءٌ في العربية وإنما يقع هذا البناءُ في الظروف.
وقال الزمخشري: والمعنى: مِنْ قُبُل القميص ومِنْ دُبُره، وأمَّا التنكير فمعناه مِنْ جهةٍ يُقال لها قُبُل ومِنْ جهة يُقال لها دُبُر، وعن ابن أبي إسحاق أنه قرأ {مِنْ قبلَ} و{مِنْ دبرَ} بالفتح كأنه جعلهما عَلَميْن للجهتين، فَمَنْعُهما الصرفَ للعلمية والتأنيث. وقد تقدَّم الخلافُ في كان الواقعة في حَيِّز الشرط: هل تبقى على معناها مِن المُضيّ وإليه ذهب المبرد، أم تنقلب إلى الاستقبال كسائر الأفعال، وأن المعنى على التبيين؟
وقوله: {فَكَذَبَتْ} و: {فَصَدَقتْ} على إضمار قد لأنها تُقَرِّب الماضي من الحالة، هذا إذا كان الماضي متصرِّفًا، أما إذا كان جامدًا فلا يحتاج إلى قد لا لفظًا ولا تقديرًا.
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
قوله تعالى: {يُوسُفُ} منادى محذوفٌ منه حرفُ النداء. قال الزمخشري: لأنه منادى قريبٌ مُفاطِن للحديث، وفيه تقريبٌ له وتلطيف بمحلِّه انتهى. وكلُّ منادى يجوز حَذْفُ حرفِ النداء منه إلا الجلالةَ المعظمة واسمَ الجنس غالبًا والمستغاثَ والمندوبَ واسمَ الإِشارة عند البصريين والمضمَر إذا نُودي.
والجمهور على ضمِّ فاء {يوسف} لكونه مفردًا معرفة. وقرأ الأعمش بفتحها. وقيل: لم تَثْبُتْ هذه القراءةُ عنه، وعلى تقدير ثبوتها فقال أبو البقاء فيها وجهين، أحدهما: أن يكون أخرجه على أصل المنادى كما جاء في الشعر:
.................. ** يا عَدِيًّا لقد وَقَتْكَ الأوَاقي

يريد بأصل المنادى أنه مفعولٌ به فَحَقُّه النصبُ كالبيت الذي أنشده، واتفق أن يوسُفَ لا يَنْصرف فَفَتْحَتُه فتحةُ إعراب. والثاني وجعله الأَشْبَه: أن يكونَ وقف على الكلمة ثم وَصَل وأَجْرى الوصلَ مُجْرى الوقف، فألقى حركة الهمزة على الفاء وحَذَفَها فصار اللفظ بها {يوسُفَ اعْرض} وهذا كما حُكِي اللَّهَ اكبرَ اشْهدَ الاَّ بالوصل والفتح. قلت: يعني بالفتح في الجلالة، وفي أكبر، وفي اشهد، وذلك أنه قدَّر الوقفَ على كل كلمة مِنْ هذه الكلم، وألقى حركة الهمزة من كلٍ من الكلمِ الثلاثِ على الساكن قبله، وأجرى الوصلَ مُجرى الوقف في ذلك، والذي حَكَوه الناس إنما هو في أكبر خاصة لأنها مَظِنَّةُ الوقف، وقد تقدَّم ذلك في أول آل عمران.
وقرئ: {يوسُفُ أَعْرَضَ} بضم الفاء و{أعرض} فعلًا ماضيًا، وتخريجُها أن يكون يوسف مبتدأً، وأَعْرض جملة مِنْ فعل وفاعل خبره. قال أبو البقاء: وفيه ضعف لقوله: {واستغفِري}، وكان الأشبهُ أن يكون بالفاء: فاستغفري. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}
أفصح يوسف عليه السلام بِجُرْمِها إذ ليس للفاسق حُرْمَة يجب حِفْظُهُا، فلم يُبَالِ أَنْ هَتَك سترها فقال: {هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} فلمَّا كان يوسفُ صادقًا في قوله؛ ولم يكن له شاهدٌ أنطق اللَّهُ الصبيَ الصغير الذي لم يبلغ أوانَ النطق. ولهذا قيل إذا كان العبد صادقًا في نفسه لم يبالِ اللَّهُ أن يُنْطِقَ الحجرَ لأجله.
قوله: {فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ....} لما اتضح الأمرُ واستبان الحالُ وظهرت براءة ساحة يوسف عليه السلام قال العزيز: {إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ}: دلَّت الآية على أَنَّ الزنا كان مُحرَّمًا في شرعهم.
{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
لم يُردْ أن يهتك ستر امرأته فقال ليوسف: أَعرِضْ عن هذا الحديث، ثم قال لها: {وَاسْتَغْفِرِى لِذَنْبِكِ}: دلَّ على أنه لم يكن في شرعهم على الزنا حدٌّ- وإن كان مُحَرَّمًا- حيث عَدَّه ذنبًا.
ويقال ليس كلُّ أحد أهلًا للبلاء؛ لأن البلاء من صفة أرباب الولاء، فأمَّا الأجانب فَيُتَجَاوَزُ عنهم ويُخْلَى سبيلُهم- لا لكرامةِ مَحَلِّهم- ولكن لحقارة قدرهم، فهذا يوسف عليه السلام كان بريءَ السَّاحةِ، وظهرت للكلِّ سلامةُ جانبه وابُتِليَ بالسجن. وامرأة العزيز في سوء فِعْلها حيث قال: {إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ}، وقال لها: {وَاسَتَغْفِرِى لِذَنبِكَ}... ثم لم تنزل بها شظيةٌ من البلاء. اهـ.

.تفسير الآيات (30- 31):

قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في هذا من شرف العفة ما يدل على كمال العصمة، وأكده تعالى بما يدل على تسامي حسنه وتعالي جماله ولطفه، لأن العادة جرت بأن ذلك كان بعضه لأحد كان مظنة لميله، لتوفير الدواعي على الميل إليه، فقال تعالى: {وقال نسوة} أي جماعة من النساء لما شاع الحديت؛ ولما كانت البلدة كلما عظمت كان أهلها أعقل وأقرب إلى الحكمة، قال: {في المدينة} أي التي فيها امرأة العزيز ساكنة: {امرأت العزيز} فأضفنها إلى زوجها إرادة الإشاعة للخبر، لأن النفس إلى سماع أخبار أولى الأخطار أميل؛ والعزيز: المنيع بقدرته من أن يضام، فالعزة أخص من مطلق القدرة، وعبرن بالمضارع في: {تراود فتاها} أي عبدها نازلة من افتراش العزيز إلى افتراشه: {عن نفسه} إفهامًا لأن الإصرار على المراودة صار لها كالسجية؛ والفتى: الشاب، وقيده الرماني بالقوي، قال: وقال الزجاج: وكانوا يسمون المملوك فتى شيخًا كان أو شابًا، ففيه اشتراك على هذا: {قد شغفها} ذلك الفتى: {حبًا} أي من جهة الحب، قال الرماني: شغاف القلب غلافه، وهو جلدة عليه، يقال: دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب، عن السدى وأبي عبيدة وعن الحسن أنه باطن القلب، وعن أبي علي: وسط القلب-انتهى.
والذي قال في المجمل وغيره أنه غلاف القلب، وأحسن من توجيه أبي عبيدة له أن حبه صار شغافًا لها، أي حجابًا، أي ظرفًا محيطًا بها، وأما {شعفها}- بالمهملة فمعناه: غشى شعفة قلبها، وهي رأسه عند معلق النياط، وقال الرماني: أي ذهب بها كل مذهب، من شعف الجبال، وهي رؤوسها.
ولما قيل ذلك، كان كأنه قد قيل: فكان ماذا؟ فقيل- وأكد لأن من رآه عذرها وقطع بأنهن لو كن في محلها عملن عملها ولم يضللن فعلها: {إنا لنراها} أي نعلم أمرها علمًا هو كالرؤية: {في ضلال} أي محيط بها: {مبين} لرضاها لنفسها بعد عز السيادة بالسفول عن رتبة العبد، ودل بالفاء على أن كلامهن نقل إليها بسرعة فقال: {فلما سمعت} أي امرأة العزيز: {بمكرهن} وكأنهن أردن بهذا الكلام أن يتأثر عنه ما فعلت امرأة العزيز ليرينه، فلذلك سماه مكرًا: {أرسلت إليهن} لتريهن ما يعذرنها بسببه فتسكن قالتُهن: {وأعتدت} أي هيأت وأحضرت: {لهن متكًا} أي ما يتكئن عليه من الفرش اللينة والوسائد الفاخرة، فأتينها فأجلستهن على ما أعدته لهن: {وأتت كل واحدة} على العموم: {منهن سكينًا} ليقطعن بها ما يحتاج إلى القطع مما يحضر من الأطعمة في هذا المجلس؛ قال أبو حيان: فقيل: كان لحمًا، وكانوا لا ينهشون اللحم، إنما كانوا يأكلونه حزًا بالسكاكين.
وقال الرماني: ليقطعن فاكهة قدمت إليهن- انتهى.
هذا الظاهر من علة إتيانهن وباطنه إقامة الحجة عليهن بما لا يجدن له مدفعًا مما يتأثر عن ذلك: {وقالت} ليوسف فتاها عليه الصلاة والسلام: {اخرج عليهن} فامتثل له ما أمرته به كما هو دأبه معها في كل ما لا معصية فيه، وبادر الخروج عليهن: {فلما رأينه} أي النسوة: {أكبرنه} أي أعظمن يوسف عليه الصلاة والسلام جدًا إعظامًا كربّهن: {وقطعن} أي جرحن جراحات كثيرة: {أيديهن} وعاد لومهن عذرًا، والتضعيف يدل على التكثير، فكأن السكين كانت تقع على يد إحداهن فتجرحها فترفعها عن يدها بطبعها، ثم يغلبها الدهش فتقع على موضع آخر وهكذا: {وقلن حاش} أي تنزيهًا عظيمًا جدًا: {لله} أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال التي خلق بها مثل هذا.
ولما كان المراد بهذا التنزيه تعظيمه، بينه بقولهن: {ما هذا بشرًا} لأنه فاق البشر في الحسن جدًا، وأعرض عن الشهوة من غير علة، نراها مانعة له لأنه في غاية القوة والفحولية، فكأنه قيل: فما هو؟ فقلن: {إن} أي ما: {هذا} أي في هذا الحسن والجمال، وأعدن الإشارة دفعًا لإمكان الغلط: {إلا ملك كريم} وذلك لما ركز في الطباع من نسبة كل معنى فائق إلى الملائكة من الحسن والعفة وغيرهما وإن كانوا غير مرئيين، كما ركز فيها نسبة ضد ذلك إلى الجن والشياطين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
لم لم يقل: {وَقَالَت نِسْوَةٌ} قلنا لوجهين: الأول: أن النسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي فلذلك لم يلحق فعله تاء التأنيث، الثاني: قال الواحدي تقديم الفعل يدعو إلى إسقاط علامة التأنيث على قياس إسقاط علامة التثنية والجمع.
المسألة الثانية:
قال الكلبي: هن أربع، امرأة ساقي العزيز.
وامرأة خبازه وامرأة صاحب سجنه.
وامرأة صاحب دوابه، وزاد مقاتل وامرأة الحاجب.
والأشبه أن تلك الواقعة شاعت في البلد واشتهرت وتحدث بها النساء.
وامرأة العزيز هي هذه المرأة المعلومة: {تُرَاوِدُ فتاها عَن نَّفْسِهِ} الفتى الحدث الشاب والفتاة الجارية الشابة: {قَدْ شَغَفَهَا حُبّا} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
أن الشغاف فيه وجوه: الأول: أن الشغاف جلدة محيطة بالقلب يقال لها غلاف القلب يقال شغفت فلانًا إذا أصبت شغافه كما تقول كبدته أي أصبت كبده فقوله: {شَغَفَهَا حُبّا} أي دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.
والثاني: أن حبه أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب، ومعنى إحاطة ذلك الحب بقلبها هو أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا تعقل سواه ولا يخطر ببالها إلا إياه.
والثالث: قال الزجاج: الشغاف حبة القلب وسويداء القلب.
والمعنى: أنه وصل حبه إلى سويداء قلبها، وبالجملة فهذا كناية عن الحب الشديد والعشق العظيم.
المسألة الثانية:
قرأ جماعة من الصحابة والتابعين: {شعفها} بالعين.
قال ابن السكيت: يقال شعفه الهوى إذا بلغ إلى حد الاحتراق، وشعف الهناء البعير إذا بلغ منه الألم إلى حد الاحتراق، وكشف أبو عبيدة عن هذا المعنى فقال: الشعف بالعين إحراق الحب القلب مع لذة يجدها، كما أن البعير إذا هنئ بالقطران يبلغ منه مثل ذلك ثم يستروح إليه.
وقال ابن الأنباري: الشعف رؤوس الجبال، ومعنى شعف بفلان إذا ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه.
المسألة الثالثة:
قوله: {حبها} نصب على التمييز.
ثم قال: {حُبّا إِنَّا لَنَرَاهَا في ضلال مُّبِينٍ} أي في ضلال عن طريق الرشد بسبب حبها إياه كقوله: {إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ} [يوسف: 8].
ثم قال تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
المراد من قوله: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} أنها سمعت قولهن وإنما سمي قولهن مكرًا لوجوه: الأول: أن النسوة إنما ذكرت ذلك الكلام استدعاء لرؤية يوسف عليه السلام والنظر إلى وجهه لأنهن عرفن أنهن إذا قلن ذلك عرضت يوسف عليهن ليتمهد عذرها عندهن.
الثاني: أن امرأة العزيز أسرت إليهن حبها ليوسف وطلبت منهن كتمان هذا السر، فلما أظهرن السر كان ذلك غدرًا ومكرًا.
الثالث: أنهن وقعن في غيبتها، والغيبة إنما تذكر على سبيل الخفية فأشبهت المكر.
المسألة الثانية:
أنها لما سمعت أنهن يلمنها على تلك المحبة المفرطة أرادت إبداء عذرها فاتخذت مائدة ودعت جماعة من أكابرهن وأعتدت لهن متكأ، وفي تفسيره وجوه: الأول: المتكأ النمرق الذي يتكأ عليه.
الثاني: أن المتكأ هو الطعام.
قال العتبي والأصل فيه أن من دعوته ليطعم عندك فقد أعددت له وسادة تسمى الطعام متكأ على الاستعارة، والثالث: متكأ أترجًا، وهو قول وهب وأنكر أبو عبيد ذلك ولكنه محمول على أنها وضعت عندهن أنواع الفاكهة في ذلك المجلس.
والرابع: متكأ طعامًا يحتاج إلى أن يقطع بالسكين، لأن الطعام متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكأ عليه عند القطع.